التعليم عن بُعد

التعليم عن بُعد

 ومستقبل الإصلاح التربوي.

بقلم: ذ. حمادي الموقت

لقد بدا العالم اليوم - وبالملموس- أنه قرية صغيرة مكشوفة تفرض على كل مجتمع أراد لنفسه مكانة بين منظومات الأمم التكنلوجية، أن يعيد النظر في إوالياته المجتمعية والفكرية والإقتصادية وحتى السياسية...، وأن يبلورها على الصيغة التي تمكنه من خلالها خلق تفاعل واندماج يؤهلانه لخوض تحدي "الرقمنة" في زمن بات يقاس فيه تقدم الأمم بمدى انتاجها واستهلاكها للمعلومات والمعارف.

لذلك فإن استخدام الحاسوب واستثماره في التنمية الإقتصادية والإجتماعية، والتعليمية بشكل خاص، أضفى ضرورته في سبيل دعم متطلبات اقتصاد المعرفة كأهم مصدر من مصادر القوة الإجتماعية، وتجسيد قيم مجتمع متعلم يساير ما وصلت إليه الأمم المتقدمة.

ولما كان العالم العربي يمتاز بالوحدة في اللغة والثقافة[1]، فإن ما يفرضه ذاك على الحكومات العربية في شخص مؤسساتها وجامعاتها التعليمية هو البحث عن منتج عربي قادر على أن يثري الهوية ويرقن بصمة الذات العربية.

من هنا بدأت أهمية مساهمة الحاسوب في التعليم والتعلم، بل للتواصل ودرء الهوة الكامنة وراء ما نتج عنه التعليم التقليدي. فأصبح من الضروري أن تستغل أساليب وتقنيات المعلومات والإتصالات الحديثة في هذا المجال، حتى تُتجاوز اشكالات مازالت حتى اللحظة عوائق تقف أمام تقدمه وتطوره، وذلك من قبيل:

-       ندرة المعلمين و الأساتذة؛

-       صعوبة التدريس في المناطق النائية والفقيرة؛

-        ضعف المستوى والكفاءة العلمية و التعليمية لبعض المدرسين؛

-       الإكتضاض الحاصل على مستوى الفصل؛

-       ضعف القوة الشرائية والمتابعة التعليمية....

وغيرها من الإشكالات التي يفترض أن تُذاب مع حلول منهجية التعليم عن بعد، حيث تقنيات معلوماتية حديثة أصبحت تعزز الكيان التعليمي بإجراءات عملية تهيء له كل الأدوات والوسائل الممكنة، وبوجه خاص الإستخدامات التعليمية للشبكة العنكبوتية، مع العلم بأنها تمتلك القدرة الفائقة على التخزين وسرعة التدبير والمناورة والحساب، وكذا مرونتها وتحررها من حدود الزمن والمكان إلى خرق الفضاء الواحد إلى الفضاءات المتعددة.

ومن أهم تقنيات المعلومات والإتصالات الحديثة في التعليم حسب ما يصرح به م. فادي اسماعيل[2] مايلي:

-       الفيديو التفاعلي،

-       الوسائط المتعددة؛

-       برمجيات التأليف بالوسائط المتعددة؛Multimedia Authoring Systems

-       الأقراص المضغوطة؛

-       البث التلفزي الفضائي؛

-       تقنيات الشبكة العنكبوتية.

إن ذروة الإستفادة من هذه الشبكة تتحقق عندما يتم استخدامها كبيئة للتعليم والتواصل المعرفي والثقافي بين حضارات الأمم، مع انخفاض التكاليف وانعدام الحدود. لذا يجدر بالدارسين والمتعلمين الإطلاع بشكل علمي عليها وعلى خصائصها والمواقع الموجودة بها ومدى ملاءمتها وحداثة المعلومات التي تتضمنها، وهكذا نرى – يقول فادي إسماعيل- أن الشبكة العنكبوتية خطوة إيجابية على طريق التعليم العربي الشامل والمتطور، عندما يتم تحفيز الدارسين العرب للقيام بدور إنتاجي معرفي وتقني، بدلا من الوقوف عند حدود الإستهلاك فحسب. "...ولابد أن نشيد هنا - يقول مؤلفا كتاب الفجوة الرقمية- بتجربة موقع www.arabacademy.com  لتعليم اللغة العربية لأبناء الدول الإسلامية، وربط ذلك بتعليم قراءة القرآن الكريم، وكذلك تجربة أحد المراكز في السعودية لاستخدام تكنلوجيا حجرة الدراسة الخائلية Class virtuel  لتعليم تلاوة القرآن الكريم[3]".

لقد أثبتت هذه التقنيات قدرتها كوسيط فعال في التعليم بأوسع معنى. حيث يمكن بواسطتها وبالإعتماد على شبكات الحاسوب المختلفة:

*-  تطبيق التعلم في جميع مراحله وبمختلف أنواعه؛

*- استخدامها في تدريب المدرسين وتطوير كفاءاتهم وقدراتهم التواصلية بشكل خاص؛

*- اكتساب المهارات والخبرات والمعارف وحل المشكلات الدقيقة والمركبة؛

*-  استغلال عنصر الصوت والصورة الثابتة والمتحركة بنقل الأفلام ورسائل الإعلام الحية وتحميل الموسوعات والقواميس مما يجعل قيمتها التربوية مرتفعة جدا. إنه بحق فيض متدفق من المعلومات يُنقل إلى الفرد أينما كان نبض الحياة اليومية في أي بقعة من العالم، أو ينقل حضور هذا الفرد ذاته حيثما يريد، ليشارك في اللقاءات ويسمع المحاضرات وما شابهها[4]...

*- كما أن هذه البيئة تفتح أمام المؤسسة وطلابها ومتعلميها بشكل عام مجموعة متشابكة من الفرص والتحديات كونها تطلق العنان للخيال لاستكشاف الذات واستنطاقها وتحريرها من العزلة ومن المحدودية وكذا من الخوف والخجل بعمليات اختبار وامتحان ذاتية...

*- تجاوز العزلة الجغرافية والإجتماعية عن طريق المراسلة الإلكترونية بل والإبحار في الشبكة العنكبوتية إبحارا لاينتهي؛

*- تبادل التجارب والخبرات واستراتيجيات التعليم والتعلم بأقل تكلفة وأقصر زمن؛

*- تعزيز التعلم المشترك عبر فصول قد يكون كل واحد منها بحجم دولة.

*- ثم الإنتقال من الباحث البشري إلى الوكيل الآلي، ومن النصوص إلى التناص ومن الخطية إلى التشعب[5].

ومن تَم تحصل الملاءمة Pertinence  بين الطالب والمدرس –حسب ما خلص إليه فادي إسماعيل في ورقته-، والمرونةFlexibilité  بخيار المشاركة حسب الرغبة، والفاعلية بتفوق نظام التعليم عن بعد على النظام القديم، والمقدرة حيث الكثير من الأشغال قد تُنجز من دون أو أقل تكلفة، وأخيرا الإحساس المتعدد  في طرق توصيل المادة المدروسة...

إذا كان مبررنا من إدراج هذه التجربة التعليمية التي لاقت ما كان متوقعا منها، داخل الأوساط الفلسطينية على سبيل المثال؛ بل وأصبحت نموذجا يُعتد به في البلاد العربية، فإن ذلك لم يكن اختيارا عبثيا، لكنه جاء بحكم الأوضاع السياسية التي يمر بها المدرس والطالب الفلسطيني والعملية التعليمية برمتها، كالإغلاق المستمر لكل أنواع التواصل المؤسساتي سواء أكان إقتصاديا أم ثقافيا أم جغرافيا...، ليتضح بجلاء؛ الدور الكبير والمهم الذي يلعبه التواصل والتعليم عن بعد. ولعله يكون من جانب آخر سببا في تحميس وتشجيع الإنسان العربي في بذل مجهودات أكبر ليصل إلى ما وصلت إليه الأمم المتقدمة في هذا المجال.

 



[1] - م. فادي اسماعيل، في ورقة عمل مقدمة إلى الندوة الإقليمية حول: "توظيف تقنيات المعلومات والإتصالات في التعليم، والتعليم عن بعد" دمشق 15–17 يوليوز 2003، وزارة الإتصالات وتكنلوجيا المعلومات، السلطة الوطنية الفلسطينية. www.ituarabic.org/E-Education/Doc9-Palestine.doc

[2] - المرجع نفسه.

[3] - نبيل علي و نادية حجازي 2005، ص374.

[4] - نبيل علي، 2001،ص93.

[5] -  المرجع نفسه، ص96.

 
موقع التربية والثقافة
 
انصر نبيك
 
موقع الشيخ محمد حسان
 
موقع أساتذة اللغة العربية المبرزين
 

اضغط هنا

 
عدد زوار الموقع: 15469 visiteurs
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement