للأسف!!! هذا ما يقع في مؤسساتنا تعليم يحتضر...!! وعربية في القمامة
بقلم: ذ. حمادي الموقِت ربيع الثاني 1429/أبريل 2008
هناك بعض الأمثال الشعبية التي قد تمر بنا دون أن نقف معها لحظة . نسائل مضمونها أو غايتها . يقول بعضها:" ذاك الغصن من ذيك الشجرة" ويقول البعض الآخر: " هاذ الشي من ذاك الشي"... قد تفهم منها ما تفهم. لكن ما لا تفهمه أن أجد لها توافقا وانسجاما مع مضمون هذا المقال وهذه الصرخة. إذ العبرة – كما نعلم – بالخواتيم. وإذا كانت خواتيم مؤسساتنا التعليمية على الحال الذي سأبين؛ فإن الجزاء من جنس العمل. فالغصن والتلميذ في هذا المقام سيان، والشجرة والحرم التعليمي مثيلان.
فالمنطق والعادة يقولان، إن من أدبيات تشخيص الداء والمرض، فحص المريض. وإذا كان المريض يعاني سرطانا بدأ يدب بين أوصاله منذ ما يقرب من العقدين، فإن الحالة تستدعي التدخل السريع والفوري لإنقاذه. والأمل موجود وممكن مادمنا نعرف الداء ومكانه، ومعرفة الداء أول الشفاء. طبعا؛ إذا اعترفنا به، وتعاملنا معه بصدق وشفافية وجرأة.
وإني لأعتبر هذا المقال، أو هاته الكلمة صفارة إنذار جديدة تتبع أخواتها التي صُمّت عنها الآذان، وغُضت عنها الأعين، ورُكنت في الرفوف تنال حضها من الغبار... فهل سيُكتب لها السماع والإهتمام؟؟؟ لنقل كلمتنا، ولانهتم للآجال، ولنمشي في درب محمد شكري حين قال:" قل كلمتك قبل أن تموت فإنها ستَعرِف، حتما طريقها. لايهم ما ستؤول إليه، الأهم هو أن تُشعل عاطفة أو حزنا أو نزوة غافية.. أن تُشعل لهيبا في المناطق اليباب الموات". إنما نحن أردنا بهذه الكلمة أن نشعل عاطفة لا حزنا، وأن نزرع بذرا لا نخرب أرضا.
التعليم قدر الأمم، ومعيار التقدم، إن مات؛ ماتت الأمم، وإن حيي؛ حييت معه الأمم. فإنما نوزن بقدر علمنا وتعليمنا. "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". فهنيئا لمن أحيا قلوبا لاتفقه، وعقولا لاتعي و لاتبصر.
إن المؤسسة التعليمية فضاء رحب جُعل لتطوير المعارف والقدرات، وتأهيل الفرد والجماعات، تربويا وأخلاقيا، بدنيا ونفسيا. لكن أن يصبح ملجئا أو مغارات؛ أو أوكار أو إسطبلات أو "مرارات" - بلغة المدمنين- نصفى فيها الحسابات أو تُمارس فيها أصناف الشعائر من الإدمان والتخريب والفوضى والشغب والسب والشتم وما جاور ذلك، فلا أعتقد أحدا سيستحسنه أو يقبل به، اللهم إلا إذا كان من أصحاب المصالح، والنفوس الباردة الخبيثة المبيثة، التي لاغيرة لها على الشجرة ولا على الغصن.
ودون أن أطنب في الكلام، إليكم حالة طقس مؤسسة تصلح لكل شيء، إلا أن تكون مؤسسة تعليمية. وقبل ذلك اسمع هذه الشهادة من زميل يحمل الهم ذاته يقول:" كل ما يمكن أن يقال عن هذه الثانوية؛ هو أنها ثانوية غريبة لتلاميذ غرباء في موقع غريب، فهي لاتصلح لشيء إسمه التعليم والتربية والمعرفة، بقدر ما تصلح لأن تكون سجنا فلاحيا؛ الأساتذة سجانوه والتلاميذ سجناؤه".
أولا: إداريا
مؤسسة:
ý تغيرت رئاستها - بين التكليف والترسم – مرتين في سنة واحدة.
ý من دون حراس عامين أكثر من مرة – في موسم 2007-2008 - بداعي التكوين المستمر الذي يتلقونه، والذي يغيبون فيه أسبوعا كاملا. وتصورا مؤسسة تعليمية مزدوجة – إعدادي – ثانوي – من دون حراس؟؟؟؟؟
ý عرفت صراعات و مشادات كلامية وخلافات بين الرئاسة وأحد الحراس. بل، وتصوروا مؤسسة تعليمية مزدوجة بحارس عام واحد.
ý ....
ثانيا: تربويا
وما أدراك ما التربية!!! عفوا !!! كان قصدي " التعرية"، تعرية من التربية، وتعرية من التعلم والتعليم، وتعرية من الأخلاق، وتعرية من أدبيات التعامل والإحترام، وتعرية من مبادئ التمسك بالوطن، أو سلوكيات الإحساس والإنتماء للوطن والوطنية...، وأي إحساس هذا؛ إذا كان العلم الوطني – رمز البلاد – يُسرق من داخل المؤسسة. الهم تعدد، والبال انشغل، بماذا ؟؟ لماذا ؟؟؟ ما أسبابه؟ وما انعكاساته على مستوى التلميذ وسمعة المؤسسة التعليمية؟ هذا؛ ما سنتعرفه معا من خلال عرض الظواهر السلوكية الآتية:
ý التبول والتغوط داخل الفصول الدراسية: و إذا وصل الحال إلى هذا الحد، فلا من تدخل رجال الإطفاء خاصين يجددون الوضوء لها بمخاريطهم، ويطهرونها من أحداثها.
ý تخريب أدوات وأجهزة المؤسسة من (طاولات – وسبورات – ونوافذ – وأبواب – وجدران - وصنابير المياه - ومقاعد – ومكاتب ....) حتى أنك لاتجد فصلا دراسيا نموذجيا البتة. وإذا جاء فصل الشتاء؛ فعليك أن ترحل للبحث عن فصل يقيك نزلات البرد وقساوته، وتنقيط المياه من الأسقف وسيلانه، أو دخوله من النوافذ والأبواب المكسرة...
ý الكتابة على الجدران والسبورات (كلام قبيح مشين – سب – شتم – هواتف – تغزلات – أسماء مغنيين وممثلين أجانب – فرق رياضية- رموز وشعارات- تحريض على الهروب مبكرا من المؤسسة - تحريض على الهجرة....)، وعليك أن تتصور فقط؛ أنك تعمل على سبورة مكتوب في وسطها بخط محفور عريض كلام قبيح دنيء.
ý العلكة : وكأنك تتخيل نفسك داخل فصل ليس معدا للدراسة، وإنما مخصص للتنافس في مضغ العلكة وفرقعتها، والأمر لم يعد يقتصر على الإناث، بل حتى على الذكور.
ý الشغب : الزائد إلى حد الوقاحة و الجرأة على هبة الأستاذ وكرامته وكفاءته المهنية، بل والضرب والشتم والتهديد، في أحيان كثيرة. ويكفي أن تقتحم عصابة مكتب حارس عام لتشبعه ضربا بالكراسي والمقاعد...، ويسقطون أحد مديرها أرضا ليعلموه كيف هو البر وكيف هو الدعاء لمن يعلمهم حرفا..
ý الحميّة: قد تدخل المؤسسة أول مرة
ý انتشار شرب المخدرات والسيجارة و "التنفيحة" و" الماحية" والسكر العلني.
ý إشعال النار: نعم إشعال النار، وقد تم ذلك مرات بينما الأستاذ يلقي درسه.
ý الغش: الذي أصبح حقا مكتسبا. وأشكاله أصبحت لاتُعد.
ý الغياب الدائم بدون مبررات: وقد تزيد حصص غياب التلميذ الواحد عن عشرين ساعة في الأسبوع دون رادع أو مبرر. وكأن المؤسسة أصبحت في ملكيته يدخل متى شاء ويخرج متى شاء وغيب متى أراد ...، والحاصل 19 نقطة أو 20 أو يقل عن ذلك بقليل في المواظبة والسلوك.
ý التأخر اليومي في دخول الحصص الدراسية: وفي بدء الموسم الدراسي، بل وإنهاؤه قبل موعده المحدد.
ý النقط المجانية والمعدلات العالية: التي لاتتوافق أبدا ومستوى تلميذ الباكلوريا على سبيل المثال. إذ يوجد من هؤلاء مَن لافرق بين الفعل الماضي والمضارع، أو حتى القراءة السليمة للنص الأدبي المشكَّل. وربما يعود سبب هذه النقط إلى: (الخوف أو عدم اكتراث الأستاذ أو الملل أو انعدام الجو المناسب ...).
ý "المصَاحْبة" أو إثبات الرجولة المبكرة. حتى أن التلميذ منهم تجده مع رفيقة له داخل فصل دراسي يمارس (رجولته) وتغزلاته بها: ربما تقبيل ولمس وما شابه ذلك. بل؛ اسمع للصاعقة المدوية التي بدت المؤسسة فيها وكرا للدعارة، هي تكوين شبكات تهريب الفتيات واستغلالهن جنسيا من قبل الشباب الذين زاروا الضفة الأخرى، وانبهروا بحياتها ومغرياتها، حاملين معهم قيم الفساد ووسائل الرذيلة. والذي يقوم بمهمة التنسيق والبحث عن الضحايا: تلميذة داخل المؤسسة.
ý الإمتحانات التجريبية: حدث ولاحرج، ميوعة ما بعدها ميوعة، لاأجواء امتحانات ولا وقت لإجراء الإمتحانات وهي مؤشر على نهاية الموسم الدراسي بالنسبة لتلميذ، إذ بمجرد انتهاء الإمتحانات التجريبية تبدأ الغيابات وتبدأ العطلة المفتوحة.
إن الغالبية العظمى من الأساتذة تستنكر من الكيفية والزمن اللذان تجري فيهما هذه الإمتحانات. ناهيك عن عدم اهتمام واكثرات التلميذ يها. وهذا معناه؛ نقط ضعيفة، والنقط الضعيفة في نظره يجعل من الإمتحانات الرسمية تكون أسهل وأبسط.. معادلة غريبة...
وإن كان هذا حال مؤسسانتا وتعليمنا؛ فلا نفاجأ حين نسمع أن المغرب من الدول المتأخرة في المجال.
فلا أمة بدون تعليم، ولاتعليم بدون قرار جريء صادق يبع من الذات والكيان العربيين، دون إفتاءات خارجية، تدس السم في العسل. فما انعكاسات هذه المشاكل وهذه السلوكيات على المؤسسة التعليمية وهيئاتها: المُلقي والمتلقي معا؟؟؟
ثالثا: الإنعكاسات
ý انعدام حرمة للمؤسسة التعليمية؛
ý تدني المستوى التعليمي للتلميذ وانعكاس ذلك على كفاءة الأستاذ؛
ý غياب الجودة وتخريج (متسولين)، لا فاعلين. ولا غرابة في ذلك، إن سمعنا يوما أحد المسؤولين البارزين في الحكومات السابقة الذي قال بملء فيه:"إننا لانريد خريجي جامعات". وإن كان كلامه هذا يعني شيئا، فإنما يعني هذا الذي نعيش الآن. عدم اهتمام وعدم صدق في التعامل مع الهمّ التعليمي بالمغرب. بل وتكريس الفوارق الثقافية والعلمية بين أفراد المجتمع. حتى يصبح المجتمع على صنفين: صنف شبه قارئ يخص أبناء الطبقات الراقية، وصنف جاهل أمّيّ يخص أبناء الطبقات الكادحة.
ý ....
رابعا: الأسباب
وأما أسباب ذلك، فمتعددة، منها على سبيل التمثيل لا الحصر:
ý واقع المجتمع المغربي: وانسداد أبواب الشغل في وجه التلميذ المغربي بوجه خاص، أو الشباب المتعلم بوجه عام.
ý المشاكل الخاصة وتأثيرها الكبير على التلميذ: إذ في بعض الأحيان قد ألتمس أعذارا له، خاصة إذا توالت الصراعات والمشادات والخصامات بين الوالدين ، وقد يكون التلميذ طرفا فيها. فماذا ستنتظر من تلميذ يخرج من سجن البيت إلى سجن المدرسة؟؟ وماذا لو بلغ الأمر إلى حد كره الوالدين أو أحدهما ؟؟؟ أو تحرش بعضهم ببعض، وخاصة إن كانوا تحت سقف بيت واحد، أي إخوة وأخوات من أب واحد وأم واحدة؟؟؟؟؟
ý هَمّ الهجرة السرية، أو"الحريك": إنها رياح الضفة الأخرى التي أنست الشاب المغربي تعلقه بوطنه، أو أن يساهم بشكل أو بآخر في الرفع من قيمة بلده، وتعليم بلده، و اقتصاد بلده...
ý الإعلام: هذا الأفيون الذي خدّر العقول والقلوب معا ( صحون فضائية، هواتف محمولة ، شبكات عنكبوتية ، والإفتاءات التلفزية المغرية؛ سواء أتت إشاهريا أم عبر الأفلام والمسلسلات الهابطة...)والحاصل سلوكات وتقليدات تهدم الشخصية المغربية رأسا على عقب... وهذا شيء طبيعي مادام هناك انعدام لمؤسسات تقنن وتصطفي وتختار ....
ý غياب الهم وضعف شخصية التلميذ : وانهيارها أمام مغريات الحياة، إذ كيف بتلميذ يرغب في الدراسة وهو لايمتلك حتى القلم، بل في مواعيد الإمتحانات الوطنية يضطر للبحث عن قلم – وهذا طبعا ليس بسبب الفقر - ، ولانتحدث عن الأدوات والكتب المدرسية الأخرى... فالفصل بالدراسي بكامله قد تجد الثلثين فيه لايتوفر على كتاب مدرسي.. فكيف للأستاذ أن يلقي ويشرح درسه في ظل هذه الظروف ... وكيف للتلميذ أن يفهم ويتتبع ما يجري ويدور في الحصة أو أن يُحضّر دروسه...
ý عدم تتبع الآباء مسار أبنائهم: إذ منهم من لايعرف ابنه أو ابنته يذهب أصلا إلى المؤسسة أم لا، فضلا أن يعرف ما الذي درسه، وكيف هو مستواه، وما حال سلوكه...
ý عدم اكتراث بعض الأساتذة : في تأدية واجبهم التربوي والمهني، لأسباب متعددة. منها: 1- غياب الضمير وخيانة الرسالة التربوية. 2- الوضعية المالية المتردية لبعضهم. 3- الملل وعدم تجديد النشاط بسبب الفشل في الإنتقال رغم المحاولات المتعددة، إذ قد تصل مدة البقاء في مؤسسة التعيين أكثر من 14 سنة...
ý الحرية أو التحرر: بل قل السيف الذي يقطع رقبة الحياء بين صفوف التلاميذ، ووريد الأخلاق عندهم، وسمو العلم فيهم، وعز الحضارة المغربية بهم ولهم...
ý المجالس التأديبية: التي لم تعد مجالس لتأديب التلميذ وتقويم سلوكاته، بل أصبحت مجالس تحاك ضد الأستاذ وهو الذي كان ينتظر أن هذه المجالس ستأخذ حقه، وستنصفه. وحتى وإن اتُّخذ قرار في حق التلميذ ارتكب جريمة السب والشتم بل التهديد والتعرض له خارج المؤسسة؛ فإن القرار أو العقاب لايتجاوز توقيفه أسبوعا واحدا أو أسبوعين على أبعد حد...
ý القانون: القانون الذي يحمي التلميذ دون الأستاذ، مما يجعل الأستاذ يتخوف من أية مبادرة في إصلاح شأنه الداخلي مع التلميذ، في حالة ما إذا حصل بينهما شيء ما... يستدعي القانون. ولنتذكر معا المحاكمة التي جعلت من أستاذ أن يركن مع تلميذه المدعي في زنزانة واحدة. فأين هي كرامة الأستاذ؟؟؟ وأي أستاذ – في هذا الموقف – سيؤدي رسالته التربوية بصدق وأمانة؟؟؟؟؟
ý ثم، أخيرا وليس آخرا، وضع المسؤول غير المناسب في المكان غير المناسب: فحين نسمع من مسؤول وهو ينصح أستاذا أو خريجا جديدا كُلف بمادة غير مادة تخصصه ( من الإعلاميات إلى الرياضيات)، لحظة تظلمه على هذا الأمر، قال له بالحرف الواحد: "احْنَا ما قُلناشْ ليك سِير قَرِّيهم، احْنا قُلنا ليك سير احْضِيهم".
خامسا: الحلول الممكنة
ý حسن التدبير والتسيير داخل المؤسسة؛
ý إعادة الهبة للأستاذ داخل القسم؛
ý توحيد المقررات والتخفيف منها؛
ý تكثيف الجهود والجدية واستحضار الضمير المهني؛
ý مجالس تأديبية فاعلة وفعالة ونزيهة؛
ý إعطاء كل ذي حق حقه: من يستحق يستحق، ومن لايستحق لايستحق. وكما تدين تدان.
سادسا: حال العربية
وأما العربية؛ فحدث ولا حرج، حالها حال المغضوب عليه، وحال المطرود والمعزول عن وطنه. ولو أن الدستور المغربي يتخذ منها اللغة الرسمية للبلاد. فكيف يكون ذلك!! وقد غزتها الفرنسية والإنجليزية في جل مؤسساتنا العمومية والخاصة. نعم للفرنسية! نعم للإنجليزية! ومرحبا بالإسبانية.... لكن ليس على حساب هويتنا ولغتنا الأم وثقافتنا وحضارتنا. فاللغة- كما تدري وأدري – :"من أهم أدوات التشكيل الثقافي، بل من أهم عوامل تشكيل الأمم، ... ذلك أنها وعاء الفكر وأداة التعبير والتواصل والتفاهم بين الناس، توثق صلاتهم، وتقوي روابطهم... وهي مستودع ذخائر الأمة ومخزونها الثقافي وتراثها الذي يصل بين حاضرها ومستقبلها.. إنها الوطن الثقافي الذي يصنع الوجدان، ويحرك التفكير ويسهل تبادل المعارف وتلقي العلوم " ص 13.
ولقد صدق ابن خلدون حين قال:"إن غلبة اللغة بغلبة أهلها، وإن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم". وبالتالي فإن الدفاع عنها واجب مقدس، إذ هو الذي يضمن للأمة استمراريتها ويحفظ لها مكانتها المنوطة بها بين الأمم.
و"الحديث بلسان قوم آخر معناه تفكير بعقولهم"، إن لم نقل، "انسلاخ من هوية وتشبث بأخرى". وهذا لايحفل به القول لامحالة.
إن اللغة العربية التي أهانها أهلها، وأقصاها عدم استعمالهم إياها في معاملاتهم، في منتدياتهم، في مؤسساتهم... لتعد اليوم "أغنى لغة في العالم من حيث مفرداتها، ودقة تعبيرها، وهي أصبر وأجلد لغة على كيد أعدائها". والحق ما اعترف به الناطقون بغيرها. يقول العالم اللغوي إرنست رينان Ernest Reanan :"إن اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وأن هذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، وصعب تفسيره، وانتشرت هذه اللغة سلسة أي سلاسة، غنية أي غنى، كاملة لم يدخل عليها منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا أي تعديل مهم، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، إذ ظهرت أول مرة تامة مستحكمة".
وأما العالم الأماني برولكمن فيقول:" تعد اللغة العربية من أرقى اللغات السامية تطورا من حيث تركيبات الجمل، ودقة التعبير. أما المفردات فهي فيها غنية غنى يسترعي الإنتباه، ولابد فهي نهر تصب فيه الجداول من شتى القبائل".
وهناك حقيقة سجلها التاريخ تقول: إن اللغة العربية كانت إحدى لغتين في العالم القديم، تُكتب بهما الفلسفة والعلوم فيما بين القرنين 2 و 16، حينما كانت العربية في الشرق واللاتينية في الغرب، حتى اعتُبرت لغة عالمية، فلعل هذا مما يُبطل الدعاوى والشعارات القائلة: إنها لغة لاتصلح لأن تكون لغة علمية. أو اعتبار اللغة الفرنسية مرجعا وأداة حاسمة تُصلح بها هذه اللغة الوطنية.
إننا الآن ندفع ثمن ما أصاب لغتنا العربية إبان عصر الإنحطاط، وما يصيبها الآن في عصر التبعية والعولمة الفاضحة.
تلميذ قارئ ليس بقارئ، ومُدّع بالمعرفة ليس بعارف.. النص مشكّل والفعل فاعل، رفعٌ للمنصوب ونصبٌ للمرفوع... هذه كراسة وتلك دراسة، ولربما سيأتي يوم تنمحي فيه الكراسة بمحو الدراسة...؟؟؟؟ هذا واقع ما وقع، تعليم يحتضر وعربية في القمامة تقع. أقول قولي هذا، وأسأل الله أن يدفع عنا البلاء والنقم.
|